فصل: الخبر عن عود السلطان أبي حمو الأخير إلى تلمسان الكرة الثالثة لبني عبد الواد في الملك:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن اضطراب المغرب الأوسط ورجوع أبي زيان إلى تيطري واجلاب أبي حمو على تلمسان ثم انهزامهما وتشريدهما على سائر النواحي:

كان بنو عامر من زغبة شيعة خالصة لبني عبد الواد من أول أمرهم وخلص سويد لبني مرين كما قدمناه فكان من شأن عريف وبنيه عند السلطان أبي الحسن وبنيه ما هو معروف فلما استبيحت أحياؤهم بالدوس مع أبي حمو ذهبوا في القفر إشفاقا ويأسا من تجول بني مرين عليم لما كان ونزمار بن عريف وإخوانه من الدولة فحدبوا على سلطانهم أبي حمو يتقلبون معه في القفار ثم نزع إليهم رحو بن منصور فيمن أطاعه من قومه عبيد الله من المعقل وأجلبوا على وجدة فاضطرم النفاق على الدولة نارا وخشي حصين مغبة أمرهم من السلطان بما تسموا به من الشقاق والعناد فمدوا أيديهم إلى سلطانهم أبي زيان وأوفد مشيختهم لاستدعائه من حلة أولاد يحيى بن علي فاحتل بينهم وأجلبوا به على المرية فملكوا نواحيها وامتنع عليهم مصرها واستمر الحال على ذلك واضطرب المغرب الأوسط على السلطان وانتقضت به طاعته وسرح الجيوش والعساكر إلى قتال مغراوة وحصين فأجمع أبو حمو وبنو عامر على قصده بتلمسان حتى إذا احتلوا قريبا منها دس السلطان عبد العزيز بعض شيعته إلى خالد بن عامر وزغبة في المال والحظ منه وكان أبو حمو قد أسفه بمخالطة بعض عشيره وتعقب رأيه برأي من لم يسلم إلى خطته ولم يرتض كفاءته فجنح إلى ملك المغرب ونزع يده من عهد أبي حمو وسرح السلطان عبد العزيز عسكره إلى خالد فأوقع بأبي حمو ومن كان من العرب عبيد الله وبني عامر وانتهب معسكره وأمواله واحتقبت حرمه وحظاياه إلى قصر السلطان وتقبض على مولاه عطية فمن عليه السلطان وأصاره في حاشيته ووزرائه وأصفقت زغبة على خدمة ملك المغرب وافق هذا الفتح عند السلطان فتح بلاد مغراوة وتغلب وزيره أبو بكر بن غازي على جبل بني سعيد وتقبض على حمزة بن علي بن راشد في لمة من أصحابه فضرب أعناقهم وبعث بها إلى سدة السلطان وصلب أشلاءهم بساحة مليانة معظم الفتح واكتمل الظهور وأوعز السلطان إلى وزيره أبي بكر بن غازي بالنهوض إلى حصين فنهض إليهم وخاطبني وأنا مقيم ببسكرة قي في دعايته بأن أحتشد أولياءه من الزواودة ورياح والتقى الوزير والعساكر على حصن تيطري فنازلناه أشهرا ثم انفض جمعهم وفروا من حصنهم وتمزقوا كل ممزق وذهب أبوزيان على وجهه فلحق ببلد واركلا قبلة الزاب لبعدها عن منال الجيوش والعساكر فأجاروه وأكرموا نزله وضرب الوزير على قبائل حصين والثعالبة المغارم الثقيلة فأعطوها عن يد وجهضهم باقتضائها ودوخ قاصية الثغور ورجع إلى تلمسان عالي الكعب عزيز السلطان ظاهر اليد وقعد له السلظان بمجلسه يوم وصوله قعودا فخما وصل فيه إليه وأوصل من صحبه من وفود العرب والقبائل فقسم فيهم بره وعنايته وقبوله على شاكلته واقتضى من أمراء العرب زغبة أبناءهم الأعزة رهنا على الطاعة وسرحهم لغزو أبي حمو بمنتبذه من تيكورارين فانطلقوا لذلك وهلك السلطان عبد العزيز لليال قلائل من مقدم وزيره وعساكره أواخر شهر ربيع الآخر من سنة أربع وسبعين وسبعمائة لمرض مزمن كان يتفادى بالكتمان والصبر من ظهوره وانكفأ بنو مرين راجعين إلى ممالكهم بالمغرب بعد أن بايعوا لولده دراجا حماسيا ولقبوه بالسعيد وجعلوا أمره إلى الوزير أبي بكر بن غازي فملك أمرهم عليهم واستمرت حاله كما نذكره في أخباره إن شاء الله تعالى.

.الخبر عن عود السلطان أبي حمو الأخير إلى تلمسان الكرة الثالثة لبني عبد الواد في الملك:

لما هلك السلطان عبد العزيز ورجع بنو مرين إلى المغرب نصبوا من آعياص بني يغمراسن لمدافعة أبي حمو من بعدهم عن تلمسان إبراهيم بن السلطان أبي تاشفين كان ناشئا بدولتهم مذهلك أبوه وتسلل من جملتهم عطية بن موسى مولى السلطان أبي حمو وخالفهم إن البلد غداة رحيلهم فقام بدعوة مولاه ودافع إبراهيم بن تاشفنن عن مرامه وبلغ الخبر أولياء السلطان أبي حمو من عرب المعقل أولاد يغمور بن عبيد الله فطيروا إليه النحيب على حين غلب عليه اليأس وأجمع الرحلة إلى بلاد السودان لما بلغه من اجتماع العرب للحركة عليه كما قلناه فأغذ السير من مطرح اغترابه وسابقه ابنه ولي عهده في قومه عبد الرحمن أبو تاشفين مع ظهيرهم عبد الله بن صغير فدخلوا البلد وتلاهم السلطان لرابعة دخولهم وعاود سلطانه واقتعد أريكته وكانت إحدى الغرائب وتقبض ساعتئذ على وزرائه واتهمهم بمداخلة خالد بن عامر فما نقض من عهده وظاهر عليه عدوه فأودعهم السجن وذبحهم ليومهم حنقا عليهم واستحكم لها نفرة خالد وعشيرته وحصلت ولاية أولاد عريف بن يحيى لمنافرة بنى عامر إياه وإقبال السلطان عبد العزيز عليه ووثق بمكان ونزمار كبيرهم في تسكين عادية ملوك المغرب عليه ورجع إلى تمهيد وطنه وكان بنو مرين عند انفضاضهم إلى مغربهم قد نصبوا من اقتتال مغراوة ثم بني منديل علي بن هرونبن ثابت بن منديل وبعثوه إلى شلف مزاحمة للسلطان أبي حمو ونقضا لأطراف ملكه وأجلب أبو زيان ابن عمه على بلاد حصين فكان من خبره معهما ما نذكره إن شاء الله تعالى.

.الخبر عن رجوع أبي زيان ابن السلطان أبي سعيد إلى بلاد حصين ثم خروجه عنها:

كان الأمير أبو زيان ابن السلطان أبي سعيد لما هلك السلطان عبد العزيز وبلغه الخبر بمنجاته من واركلا نهض منها إلى التلول واسف إلى الناحية التي كان منتزيا بها مساهما لأبي حمو فيها فاقتطعت لدعوته كما كانت ورجع أهلها إلى ما عرفوا من طاعته فنهض السلطان أبو حمو لتمهيد نواحيه وتثقيف أطراف ملكه ودفع الخوارج عن ممالكه وظاهره على ذلك أمير البدو من زغبة أبو بكر ومحمد ابنا عريف بن يحيى دس إليهما بذلك كبيرهما ونزمار وأخذهما بمناصحة السلطان ومخالصته فركبا من ذلك أوضح طريق وأسهل مركب ونبذ السلطان العهد إلى خالد وعشيره فضاقت عليهم الأرض ولحقوا بالمغرب لسابقة نزوعهم إلى السلطان عبد العزيز وابتدأ السلطان بما يليه فأزعج بمظاهرتهما علي بن هرون عن أرض شلف سنة خمس وسبعين وسبعماثة بعد حروب هلك في بعضها أخوه رحمون بن هرون وخلص إلى بجاية فركب منها السفن إلى المغرب ثم تخطى السلطان أبو حمو إلى ما وراء شلف وسفرمحمد بن عريف بينه وبين ابن عمه بعد أن نزع إليه الكثير من أوليائه حصين والثعالبة بما بذل لهم من الأموال وبما سئموا من طول الفتنة فشارطه على الخروج من وطنه إلى جيرانهم من رباح على أتاوة وتحمل إليه فقبل ووضع أوزار الحرب وفارق مكان ثورته وكان لمحمد بن عريف فيها أثر محمود واستألف سالم بن إبراهيم كبير الثعالبة المتغلب على بسيط متيجة وبلد الجزائر بعد أن كان خب في الفتنة وأوضع فاقتضى له من السلطان عهده من الأمان والولاية على قومه وعمله وقلد السلطان أبناءه ثغور أعماله فأنزل ابنه بالجزائر لنظر سالم بن إبراهيم من تحت استبداده وابنه أبا زبان بالمدية وانقلب السلطان إلى حضرته بتلمسان بعد أن دوخ قاصيته وثقف أطراف عمله وأصلح قلوب أوليائه واستألف شيعة عدوه فكان فتحا لاكفاء له من بعد ما خلع من ريقة الملك ونزع من شرع السلطان وانتبذ من قومه وممالكه إلى قاصية الأرض ونزل في جوار من لاينفذ أمره ولا يقوم بطاعته والله مالك الملك يؤتي الملك من يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء.